ترجمة وتحرير داليـا
رشـوان
عن الجمعية الأمريكية
لعلم النفس
كلنا
يعرف ما هو الغضب وكلنا شعر به: سواء كان مجرد شعور بالمضايقة أو كان في شكل
ثورعارمة.
الغضب
هو إنفعال إنساني طبيعي جدا وصحي أيضا، ولكن حين يخرج عن نطاق تحكمنا
ينقلب إلى شئ مدمر يسبب المشاكل - مشاكل في العمل، مشاكل في علاقاتنا
الشخصية ونوعية الحياة التي نحياها بشكل عام، وقد يشعرك أنك تحت رحمة إنفعال
قوي غير متوقع.
هذا
الموضوع الهدف منه مساعدتك على فهم الغضب الذي يعتريك وكيفية السيطرة عليه.
ما هو الغضب؟
الغضب
هو حالة إنفعالية تتراوح شدتها ما بين مضايقة خفيفة إلى حالة من الثورة
العارمة طبقا لعالم النفس تشارلز سبيلبرج المتخصص في دراسة الغضب. الغضب مثل
إنفعالات أخرى، يصاحبه تغيرات نفسية وبيولوجية؛ حين تغضب يزيد معدل ضربات
القلب وضغط الدم بالإضافة إلى زيادة مستويات هرمونات الطاقة والأدرينالين
والنور أرينالين.
الغضب
قد يكون بسبب أحداث خارجية أو داخلية. قد تكون غاضبا من شخص محدد (زميلك أو
رئيسك في العمل) أو حدث (زحمة مرورية أو إلغاء سفر)، أو قد يكون نتيجة قلق
أو مضايقات تخص مشكلات شخصية. الذكريات أو الصدمات أو المواقف المستفزة
يمكنها أيضا إطلاق إنفعالات الغضب داخلك.
التعبير عن الغضب؟
الطريقة
الطبيعية للتعبير عن الغضب هي الإستجابة بشكل عدواني. الغضب هو رد فعل
تأقلمي طبيعي تجاه التهديدات؛ هو يلهمك بمشاعر وسلوكيات قوية وعدوانية تسمح
لك بالقتال والدفاع عن نفسك حين يقع عليك هجوم. لذا فإنك تحتاج قدر معين من
الغضب للحفاظ على بقائك.
من
ناحية أخرى يمكنك الإطاحة بكل شخص أو شئ أمامك يضايقك لولا القوانين
والعادات الإجتماعية والمنطق الذي يضع حدودا لردود الأفعال الغاضبة.
يستخدم
الناس عمليات في الوعي واللاوعي للتعامل مع مشاعر الغضب. هناك ثلاثة عمليات
رئيسية وهي التعبير والكبت والتهدئة. أصح طريقة للتعبير هو توصيل مشاعر
الغضب دون اللجوء للعدوانية. لتقوم بذلك يجب أن تتعلم كيف توضح إحتياجاتك
للآخر وكيف تسعى لأن يلبيها لك دون التسبب في إيذائه. توصيل مشاعر الغضب لا
يعني أن تكون ملحا أو مطالبا ولكن محترما لنفسك وللآخرين.
يمكنك
أن تكبت غضبك ثم تحوله أو تغير إتجاهه. يحدث ذلك حين تمسك غضبك وتتوقف عن
التفكير فيه ثم تركز على شئ إيجابي. الهدف هنا أن تكبت غضبك وتحوله إلى سلوك
إيجابي. خطورة رد الفعل من هذا النوع هو أنك إذا لم تسمح بالتعبير عن هذه
المشاعر إلى الخارج فيمكنها أن تنقلب داخليا ضد نفسك. الغضب الذي ينقلب إلى
الداخل يسبب التوتر الشديد وزيادة ضغط الدم أو الإكتئاب المرضي.
مشاعر
الغضب التي لم يتم التعبير عنها قد تسبب مشاكل أخرى. فقد تتسبب في تعبيرات
مرضية أخرى مثل العدوان السلبي (وهو الإنتقام من الأشخاص المسببة للغضب بشكل
غير مباشر دون إخبارهم عن السبب وذلك بدلا من مواجهتهم)، أو قد يتسبب في خلق
شخصية عدائية ساخرة. الشخصيات التي تحبط الآخرين بشكل مستمر وتنتقد كل شئ
حولها وتتلفظ بتعليقات ساخرة، لم تتعلم كيف تعبر عن غضبها بشكل بناء، لذا لا
يدهشك أن هؤلاء لا يستطيعون تكوين علاقات إجتماعية ناجحة.
وفي
النهاية يمكنك أن تهدئ من نفسك داخليا. هذا يعني أن لا تتحكم فقط في سلوكك
الخارج منك ولكن أيضا ردود أفعالك الداخلية وأخذ خطوات لخفض معدل ضربات
القلب والتهدئة من نفسك وتدع المشاعر تنحسر.
يستطرد
د. سبيلبرج قائلا أنه عند فشل جميع هذه الخطوات عندئذ تعرف أن شخصا ما (أو
شئ ما ) سيتأذى.
إدارة الغضب؟
الهدف
من إدارة الغضب هو خفض المشاعر الإنفعالية والدوافع النفسية التي تسبب الغضب.
أنت لا تستطيع أن تتخلص أو أن تتجنب الأشياء أو الأشخاص التي تسبب لك الغضب
ولن تستطيع أن تغيرها ولكنك تستطيع أن تتحكم في ردود أفعالك.
لماذا بعض الناس أشد غضبا من آخرين؟
طبقا
لعالم النفس د. جيري ديينباتشر المتخصص في إدارة الغضب، فإن بعض الناس هم
بالفعل أكثر غضبا من الآخرين؛ هم من السهل إغضابهم ونوبات غضبهم أشد من
متوسط عامة الناس. هناك أيضا من لا يظهرون غضبهم بصوت عالي ومشاهد ملفتة
ولكنهم مصابون بالتوتر المزمن. الأشخاص سريعي الغضب ليس بالضرورة أنهم
يشتمون ويقذفون بالأشياء من حولهم؛ أحيانا ينسحبون اجتماعيا و يعبسون
ويمرضون جسديا.
الأشخاص
سريعي الغضب لديهم ما يسميه علماء النفس ضعف القدرة على تحمل الإحباط، وهذا
يعني ببساطة شعورهم بأنهم لا يجب أن يتعرضوا للإحباط أو الإزعاج أو
المضايقة. هم لا يمكنهم النظر للأحداث بمنظور واسع ويغضبون إذا بدا لهم
الموقف غير عادل. على سبيل المثال: أن يصحح له أحدهم خطأً بسيطاً.
ما
الذي يجعل هؤلاء بهذا النمط؟ هناك العديد من الأسباب. أحدهم قد يكون وراثيا
أو فسيولوجيا: هناك دلائل تشير إلى أن بعض الأطفال يولدوا بسرعة الإنفعال
وسهولة الغضب وهذه العلامات تظهر في سن مبكرة جدا. سبب آخر اجتماعي - يعتبر
الغضب شئ سلبي وقد تعلمنا أنه لا مانع من إظهار القلق والإكتئاب أو أي
إنفعالات أخرى ولكن غضب محظور. وكنتيجة لذلك لا نتعلم كيف نتعامل معه من سن
صغيرة وكيف نخرجه في قنواته الإيجابية.
وجد
البحث أيضا أن التاريخ العائلي يلعب دورا هاما. الشخصيات سهلة الغضب تأتي من
عائلات إما ممزقة أو فوضاوية أو غير ماهرة في التواصل العاطفي.
هل من الأفضل إخراج كل شئ؟
يقول
علماء النفس أن هذه المقولة هي أسطورة خطرة. بعض الناس يستخدمون هذه النظرية
كتصريح لهم بإيذاء الآخرين. وجدت الأبحاث أن إخراج كل شئ أثناء الغضب يؤدي
فعليا إلى مزيد من الغضب ومزيد من العدوان ولا يفعل شيئا لمساعدتك أو مساعدة
الشخص الذي أغضبك في علاج المشكلة.
من
الأفضل أن تبحث عن ما سبب استثارة غضبك ثم تضع استراتيجيات لتبعد نفسك عن ما
يصل بك إلى حافة الهاوية.
استراتيجيات تبقي غضبك كامن
الإسترخاء:
يمكنك استخدام أدوات الإسترخاء البسيطة مثل النفس العميق أو تخيل صور تبعث
على الهدوء النفسي. هناك كتب ودورات تدريبية يمكنها أن تعلمك آليات
الإسترخاء وبمجرد أن تتعلم هذه الآليات يمكنك استخدامها في أي موقف. إذا كنت
على علاقة مع شخص وكلاكما غضبه سهل فعليكما تعلم هذه الآليات معا.
هناك
بعض الخطوات البسيطة التي يمكنك تجربتها:
-
خذ
نفسا عميق من حجابك الحاجز، التنفس من صدرك لن يساعدك على الإسترخاء، تخيل
أن نَفَسَك يخرج من أحشائك.
-
ردد
ببطء كلمة مهدئة مثل "اهدأ" أو "خذ الأمور بيسر
وسهولة". ردد الكلمة لنفسك أثناء تنفسك بعمق.
-
استخدم
خيالك وتخيل شئ يساعدك على الإسترخاء سواء من تجربة مررت بها أو من وحي
خيالك.
-
التمرينات
البطيئة الغير مجهدة الشبيهة باليوجا يمكنها إرخاء عضلاتك وإشعارك بالهدوء.
مارس هذه الآليات يوميا وتعلم استخدامهم تلقائيا حين
تكون في موقف متوتر.
إعادة الهيكلة المعرفية
يعني ذلك ببساطة تغيير طريقة تفكيرك. الغاضبون يميلون
إلى السب واللعن أو الحديث بكلمات شديدة التلون تعكس مضمون الأفكار
الداخلية. حين تكون غاضبا يصبح تفكيرك شديد المبالغة في الحكم على المواقف
من حولك. حاول استبدال هذه الأفكار بأخرى أكثر منطقية. على سبيل المثال،
بدلا من أن تقول لنفسك "ما هذا؟ إنها مصيبة، إنه شئ غاية في السوء، كل
شئ قد فسد وانتهى"، قل لنفسك " إنه شئ محبط، غضبي منطقي لكنها
ليست نهاية العالم والغضب لن يصلح شئ على أي حال".
احذر من استخدام كلمات مثل دائما وأبدا، "هذه
الآلة لا تعمل أبدا" أو "أنت تنسى الأشياء دائما"، هذه الجمل
ليست دقيقة كما أنها تشعرك بأن غضبك مبرر وأنه ليس هناك وسيلة لحل المشكلة.
كما أنها أيضا تنفر أو تهين الناس من حولك ممن لديهم رغبة في العمل معك على
إيجاد حل.
ذَكِّر نفسك أن غضبك لن يحل شئ ولن يشعرك بتحسن (بل قد
يجعلك أسوأ).
المنطق يغلب الغضب لأن الغضب، حتى المبرر منه، قد
يتحول بسرعة كبيرة إلى لا منطق. لذا استخدم المنطق الهادئ المحض لتقنع به
نفسك. ذكِّر نفسك بأن "العالم لا يريد أن يدمرك" وأن كل ما هنالك
أنك تواجه متاهات الحياة اليومية الطبيعية. إفعل ذلك كلما غضبت لتخرج أفضل
ما عندك وسيساعدك ذلك على أن تُكَوِّن رؤية أكثر توازنا. الغاضبون يطالبون
بأشياء: العدالة، التقدير، الإتفاق، بشرط أن يكون ذلك بطريقتهم الخاصة. كل الناس
تسعى وراء هذه المطالب وكلنا يتأذى ويُحبَط إذا فقدها، ولكن الغاضبون
يطالبون بها وحين تخفق مطالبهم يتحول إحباطهم إلى غضب. كجزء من إعادة
الهيكلة المعرفية، يحتاج الغاضبون إلى أن يعوا طبيعة مطالبهم ويترجمون
توقعاتهم إلى رغبات، بمعنى آخر قل "أحب أن أحصل على شئ" بدلا من
"أنا أطالب بهذا الشئ" أو "يجب أن أحصل عليه". وحين
تخفق في الحصول على ما تريد ستمر بردود الأفعال الطبيعية - الإحباط،
الحزن- ولكن ليس الغضب. بعض الغاضبون يستخدمون غضبهم كوسيلة لتجنب الشعور
بالحزن ولكن لا يعني ذلك أن الشعور بالحزن قد فارقهم.
حل المشاكل
أحيانا يكون السبب في إحباطنا مشاكل حقيقية لا يمكن
الهروب منها. هناك إعتقاد اجتماعي أن كل مشكلة ولها حل فيزيد إحباطك حين تجد
مشاكل بلا حل. أفضل موقف للتعامل مع ذلك هو عدم التركيز على الحل ولكن
التركيز على كيفية مواجهة المشكلة.
ضع خطة وتابع تقدمك فيها. حاول أن تعطي أفضل ما عندك
ولا تعاقب نفسك إذا فعلت شيئا خطأ. إذا كنت تستطيع أن تتعامل مع مشاكلك
بأفضل النوايا والجهود وإذا كنت قد حاولت بجدية أن تواجهها فستقلل من
إحتمالات فقدك للصبر وإحتمالات وقوعك في دائرة "إما الكل وإما
لاشئ"، حتى لو لم تحل مشاكلك.
التواصل
الأفضل
الغاضبون يميلون إلى القفز للإستنتاجات ويتصرفون على
أساسها وبعض هذه الإستنتاجات تكون غير دقيقة بالمرة. أول ما تفعله حين تكون
في مناقشة ساخنة هو الإبطاء قليلا والتفكير في ردود أفعالك. لا تقل أول ما
يتبادر بذهنك ولكن تمهل وفكر بعناية فيما تريد أن تقول. في نفس الوقف استمع
بعناية لما يقوله الآخر وخذ وقتك في الإجابة.
استمع أيضا لما يتخفى تحت الغضب. على سبيل المثال، أنت
تحب مجال واسع من الحرية الشخصية وعدم تدخل الآخرين في حياتك والآخر يريد
قرب أكثر منك وعلاقة أوثق. إذا بدأ هو أو هي في الشكوى من نشاطاتك لا ترُد
بقولك لشريكك أنه كالسجَّان أو أنه يريد أن يضع طوقا حول رقبتك ويقيدك.
من الطبيعي أن تأخذ موقفا دفاعيا حين تُنتَقَد ولكن لا
ترد الهجوم بهجوم، استمع لما وراء الكلمات: الرسالة التي يريد الآخر أن
يوصلها لك هو أنه يشعر أنه مهمل من قبلك وغير محبوب. قد تحتاج لبعض
الاستفسارات والصبر لتصل إلى هذه النتيجة ولكن لا تدع غضبك يخرج بالحوار عن
نطاق السيطرة. الحفاظ على هدوءك يجعلك تحُول دون أن تتحول المناقشة لموقف له
أبعاد جسيمة.
تغيير البيئة
أحيانا تكون البيئة المحيطة هي سبب الغضب. المشاكل
والمسئوليات يمكن أن تصبح ثقيلة عليك وتتسبب في غضبك من شعورك أنك في مصيدة
وقعت فيها ومن جميع الشخصيات والأشياء التي تشكل هذه المصيدة.
اعط نفسك راحة. اجعل لنفسك وقتا خاصا بك خاصة في فترات
اليوم التي يزيد فيها التوتر. أحد الأمثلة عن المرأة العاملة التي تعود من
عملها، يمكنها أخذ فترة 15 دقيقة في هدوء تام بعد دخولها للبيت ووضع ضوابط
حتى لا يتحدث معها أحد من أبنائها إلا إذا كانت هناك مصيبة. بعد هذه الفترة
ستشعر هذه الأم أنها على استعداد للتعامل مع مطالب أبنائها دون الحاجة لأن
تصرخ في وجوههم كنتيجة للإنفجار الذي يلي تتابع الضغوط.
بعض النصائح لتريح نفسك
التوقيت: إذا
وجدت أنك وزوجتك تتشاجران أثناء مناقشاتكما في المساء فربما كان ذلك بسبب
تراكم إجهاد اليوم أو بسبب التشتت أو أنها مجرد عادة، فجرب أن تغير أوقات
النقاش حين تود التحدث في أمور هامة حتى لا تتحول هذه المناقشات إلى شجار.
التجنب: إذا
كانت غرفة ابنك الفوضوية هي سبب غضبك كل يوم حين تمرين من جانبها فاغلقي
الباب. لا تنظري إلى ما يغضبك. لا تقولي أن على ابنك أن ينظف غرفته ولذلك لن
أغضب، هذا ليس الهدف إنما الهدف أن تحافظي على هدوئك لتستطيعي بعد الهدوء
إحسان التصرف.
إيجاد البدائل: إذا
كان مشوارك اليومي في الزحام المروري الشديد هو الذي يسبب لك الغضب والإحباط
يمكنك أن تغير خط سيرك بآخر أقل زحاما أو أوجد بدائل أخرى مثل الذهاب بمترو
الأنفاق أو أي وسيلة مواصلات أخرى مناسبة.
وفي النهاية تذكر أنك لن تستطيع أن تمحي الغضب من
الوجود وهي ليست فكرة صائبة حتى إذا استطعت. ستحدث أشياء من حولك تغضبك
وأحيانا سيكون غضبك مبررا تماما، فالحياة مليئة بالإحباط والألم والفقد
والأفعال الغير متوقعة من الآخرين وأنت لن تستطيع أن تغير ذلك ولكنك تستطيع
أن تغير كيفية تأثير هذه الأحداث عليك. السيطرة على ردود أفعالك الغاضبة يحد
من تأثير هذه الأحداث على حياتك ويجعلك أكثر سعادة على المدى البعيد.
|
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire